لم يكن "التحذير الأخير" الذي أطلقه القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف سوى بداية لعهد جديد، وفرض معادلات لم يتوقعها الاحتلال من قبل، بعد أن كسرت المقاومة في معركة "سيف القدس" شوكته، وأفشلت خططه بالاستفراد بشعبنا الفلسطيني ومقدساته.
كتبت المقاومة فصلا جديدا عنوانه "المواجهة الشاملة" على كل جبهات الأرض الفلسطينية، فكان شعبنا على الموعد، وهبّ موحدا في وجه المحتل الغاصب.
ومع اشتداد الاعتداءات الصهيونية في القدس، استنجد أهلنا الذين تهددهم التهجير في حي الشيخ جراح، والمصلون في الأقصى بمقاومة شعبهم، طالبين النصرة والحماية من ظلم الاحتلال وبطشه، وما كان من رجال الضيف إلا أن لبوا النداء، وتداعت المقاومة لحماية ظهرهم والذود عن حياضهم.
غزة - القدس
أراد العدو الفصل بين جغرافية فلسطين، والتعامل مع كل بقعة على حدة، لكن حماس التي طالما أكدت أن المقاومة وجدت لتدافع عن أرض فلسطين كافة، ترجمت ذلك عمليا في معركة سيف القدس حين فرضت معادلة (غزة- القدس) وقلبت ميزان الصراع، مرسخة معادلة "وحدة الأراضي الفلسطينية".
حذرت المقاومة العدو قبل المعركة، بأنها لن تكون بمعزل عن أي انتهاك ضد شعبنا في أماكن وجوده كافة، وأنها ستبقى الدرع الحامي والحصن المتين لشعبنا الفلسطيني، لكنه لم يعِ الدرس جيدا، فمضت في الدفاع عن شعبنا ومقدساته مهما كلفها الثمن.
وتتبنى حركة حماس المقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة كخيار استراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني، وانطلاقا من التزامها الديني والوطني والأخلاقي تجاه شعبنا ومقدساته، فانطلقت صواريخها من مرابضها مساء يوم الإثنين العاشر من مايو عام 2021م تجاه القدس المحتلة.
فشرعت المقاومة في غزة سيفها دفاعا عن القدس، وخاضت معركة لـ 11 يوما، قدمت خلالها عددا من خيرة قادتها ومهندسيها، وعلى رأسهم قائد لواء غزة في كتائب القسام القائد باسم عيسى (أبو عماد)، وعززت مكانتها في وعي الشعب وذاكرته الحية، بأنها دائما ستبقى خط الدفاع الأول عن الأراضي والمقدسات الفلسطينية كافة.
مواجهة ممتدة
اعتداءات الاحتلال وجرائمه في القدس والأقصى، فتحت في وجهه ثلاث جبهات لم يعمل لها أي حساب، فامتدت نيران المواجهة من غزة إلى القدس والضفة ومدن الداخل المحتل، في سابقة لم يتوقعها من قبل.
وبينما كان العدو يصب أنظاره صوب المواجهة مع المقاومة في غزة، اشتعلت ثورة شعبنا بسيل من العمليات الفدائية والهبات الغاضبة ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه في الضفة والداخل المحتل.
اتّحد شعبنا في سيف القدس لمواجهة الاحتلال، وقدّم أكثر من 30 شهيدا بالضفة والقدس والداخل المحتل تزامنا مع سير المعركة في غزة، والتي شكلت صدمة كبيرة للاحتلال الذي لم يكن يتوقع أن تشتعل الأحداث في الداخل المحتل.
كل الساحات
وخلال المعركة حلت ذكرى النكبة الفلسطينية، فطالبت المقاومة جماهير شعبنا بأن تلتحم مع الاحتلال ولتصنع الكابوس الذي طالما أرّقه، وهو الاشتباك معه في كل الساحات والميادين وتدفيعه ثمن سرقته لأرضنا.
في الضفة ثار الشبان في وجه المحتل، ودارت مواجهات عنيفة عند نقاط التماس، ما أدى إلى ارتقاء أكثر من 11 شهيدا، وفي أحياء القدس استعرت المواجهة بعمليات الدهس والطعن التي أصيب بها عدد من الجنود الاحتلال.
وفي المدن المحتلة عام 1948 كان شعبنا على الموعد بمواجهات عنيفة ضد المستوطنين وقوات الاحتلال، تركزت الأحداث في مدن اللد والرملة وحيفا وأم الفحم وبئر السبع، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات منهم.
تمكنت المقاومة من استنهاض شعبنا وإشعال الجبهات المتعددة بوقود صواريخها، فكان ما حدث بمثابة انتفاضة حقيقية غير مسبوقة، إذ وجد العدو نفسه في وضع مغاير معلنًا حالة الطوارئ بعد فقدانه السيطرة على الأرض، وظهر جليا عجزه أمام المواجهات العنيفة، ما دفعه لاستدعاء قوات كبيرة لوقف الأحداث.
إلى جانب انتفاض شعبنا في الأرض الفلسطينية، هبّ الفلسطينيون في مخيمات اللجوء والشتات، واحتشدوا عند حدود الأردن ولبنان، وحاولوا اقتحام السياج الفاصل والدخول إلى الأراضي المحتلة للمشاركة في المواجهة.
تلك المواجهة متعددة الأقطاب التي التحم فيها شعبنا مع مقاومته أربكت العدو، واعتبرها مسؤولون صهاينة بأنها أخطر من الصواريخ، وكشفت عن فشلهم الذريع في توقع الأحداث والسيطرة عليها.
المقاومة بأشكالها كافة خلال المعركة كشفت عن الخاصرة الضعيفة في الجبهة الداخلية لدى العدو، وعدم قدرته على خوض معارك على أكثر من جبهة وكانت بمثابة حرب استنزاف لا يقوى على تحملها.
وفي أعقاب معركة سيف القدس وجد العدو نفسه أمام معادلة فرضتها المقاومة عليه، وأنّ تجاوزها بمثابة صاعق تفجير في حال واصل انتهاكاته في القدس وكل الأرض الفلسطينية، وأصبح أي تجاوز كفيلًا بأن يقلب الأوضاع رأسا على عقب، وسيكون رد المقاومة أمرًا حتميا.